
ميكيلانجيلو بوناروتي كان رسام ونحات ومهندس وشاعر إيطالي، كان لإنجازاته الفنية الأثر الأكبر على محور الفنون ضمن عصره وخلال المراحل الفنية الأوروبية اللاحقة. اعتبر ميكيلانجيلو أن جسد الإنسان العاري الموضوع الأساسي بالفن مما دفعه لدراسة أوضاع الجسد وتحركاته ضمن البيئات المختلفة. حتى أن جميع فنونه المعمارية كانت ولابد أن تحتوي على شكل إنساني من خلال نافذة، جدار، أو باب.
كان ميكيلانجيلو يبحث دائما عن التحدي سواء كان تحديا جسديا أو عقليا، وأغلب المواضيع التي كان يعمل بها كانت تستلزم جهدًا بالغاً سواء كانت لوحات جصية أو لوحات فنية مرسومة، وكان ميكيلانجيلو يختار الوضعيات الأصعب للرسم إضافة لذلك كان دائما ما يخلق عدة معاني من لوحته من خلال دمج الطبقات المختلفة في صورة واحدة، وأغلب معانيه كان يستقيها من الأساطير، الدين، ومواضيع أخرى. نجاحه في قهر العقبات التي وضعها لنفسه في صنع تحفه كان مذهلا إلا أنه كثيرا ما كان يترك أعماله دون إنجاز وكأنه يُهزم بطموحهِ نفسه. اثنان من أعظم أعماله النحتية، تمثال داوود وتمثال بيتتا العذراء تنتحب قام بإنجازهما وهو دون سن الثلاثين.
رغم كون ميكيلانجيلو من الفنانين شديدي التدين فقد عبر عن أفكاره الشخصية فقط من خلال أعماله الأخيرة. فقد كانت أعماله الأخيرة من وحي واستلهام الديانة المسيحية مثل صلب المسيح.
تعرف ميكيلانجيلو، خلال مسيرة عمله، على مجموعة من الأشخاص المثقفين يتمتعون بنفوذ اجتماعي كبير. رعاته كانوا دائما من رجال الأعمال الفاحش الثراء أو رجال ذوي المكانة الاجتماعية القوية بالإضافة لأعضاء الكنيسة وزعمائها، من ضمنهم البابا يوليوس الثاني، كليمنت السابع وبولس الثالث. سعى ميكيلانجيلو دائما ليكون مقبولاً من رعاته لأنه كان يعلم بأنهم الوحيدون القادرون على جعل أعماله حقيقة.
من صفات ميكيلانجيلو أنه كان يعتبر الفن عمل يجب أن يتضمن جهدا كبيراً وعملاً مضنياً فكانت معظم أعماله تتطلب جهداً عضلي وعدداً كبيرا من العمال وقليلاً ما كان يفضل الرسم العادي الذي يمكن أداؤه بلباس نظيف. وتُعتبر هذه الرؤية من إحدى تناقضاته التي جعلته يتطور في نفسه من حرفي إلى فنان عبقري قام بخلقه بنفسه.
قام ميكيلانجيلو في فترة من حياته بمحاولة تدمير كافة اللوحات التي قام برسمها ولم يبق من لوحاته إلا بضعة لوحات ومنها لوحة باسم “دراسة لجذع الذكر”، التي أكملها عام 1550 والتي بيعت في صالة مزادات كريستي بنحو أربعة ملايين دولار، وكانت هذه اللوحة واحدة من عدة رسومات قليلة للأعمال الأخيرة لميكيلانجيلو الذي توفي عام 1564، والتي تبدو أنها تمت بصلة إلى شخصية المسيح.
أثارت عملية تنظيف تمثال داوود الشهير، في الذكرى الخمسمئة لنحته، بالمياه المقطرة، جدلا واسعا، حيث وافق وزير الثقافة الإيطالي “جوليانو أوروباني” على تنظيفه رغم احتجاج العديد من الخبراء على طريقة التنظيف، حيث رأى البعض أن تلك الطريقة في التنظيف ستلحق أضرارا بالرخام وسط مخاوف من أن تصبح منحوتة داوود أشبه بمنحوتة عادية من الجص، وطرح الخبراء فكرة التنظيف الجاف الذي رفضه وزير الثقافة جوليانو أوروباني.
بالرغم من اعتبار رسم اللوحات من الاهتمامات الثانوية عند ميكيلانجيلو إلا أنه تمكن من رسم لوحات جدارية عملاقة أثرت بصورة كبيرة على منحى الفن التشكيلي الأوروبي مثل تصوير قصة سفر التكوين في العهد القديم على سقف كنيسة سيستاين، ولوحة يوم القيامة على منبر كنيسة سيستايت في روما. ما يُعتبر فريدا في حياة فناني عصر النهضة إن ميكيلانجيلو كان الفنان الوحيد الذي تم كتابة سيرته على يد مؤرخين بينما كان على قيد الحياة حيث قام المؤرخ جورجو فازاري بكتابة سيرته وهو على قيد الحياة، ووصف الأخير ميكيلانجيلو بذروة فناني عصر النهضة. مما لا شك فيه أن ميكيلانجيلو قد أثر على من عاصروه ومن لحقوه بتأثيرات عميقة فأصبح أسلوبه بحد ذاته مدرسة وحركة فنية تعتمد على تضخيم أساليبه ومبادئه بشكل مبالغ به حتى أواخر عصر النهضة فكانت هذه المدرسة تستقي مبادئها من رسوماته ذات الوضعيات المعقدة والمرونة الأنيقة.
حياته وأعماله
نشأته

ولد ميكيلانجيلو في قرية كابريزي قرب أريتسو بتوسكانا وترعرع في فلورنسا، التي كانت مركز النهضة الأوروبية آنذاك، ومن محيطها المليء بمنجزات فناني النهضة السابقين إلى تحف الإغريق المذهلة، استطاع أن يتعلم ويستقي منها الكثير عن فن النحت والرسم. كانت أسرة ميكيلانجيلو من أبرز المصرفيين الصغار في فلورنسا، لكن والده، “لودفيكو دي ليوناردو دي بوناروتي دي سيموني”، شذ عن باقي أفراد العائلة، وشغل عدّة مناصب حكومية خلال حياته، أما والدته فهي “فرانشيسكا دي نيري دل مينياتو دي سيينا”. زعمت أسرة بوناروتي أن أبنائها يتحدرون من “ماتيلدي التوسكانية” وهي إحدى نبيلات إيطاليا القديمات، وعلى الرغم من أن هذا الزعم ما زال غير مؤكد، إلا أن ميكيلانجيلو نفسه كان مؤمنًا به. بعد بضعة أشهر من ولادة ميكيلانجيلو، عادت أسرته إلى فلورنسا، حيث قضى سنوات صباه، وفي سنة 1481، أي عندما كان يبلغ من العمر ست سنوات فحسب، توفيت والدته بعد صراع طويل مع المرض، فانتقل ميكيلانجيلو ليعيش مع أسرة رجل يعمل في قلع الحجارة ببلدة “سيتيغنانو”، حيث كان ولده يملك مقلعًا للرخام و مزرعة صغيرة. أفاد جورجو فازاري أن ميكيلانجيلو قال: «إن كان هناك بعض الخير والجمال في نفسي، فهذا لأنني ولدت في البيئة الرقيقة لبلدكم أريتسو. جنبًا إلى جنب مع حليب مرضعتي، شربت موهبة التعامل مع الإزميل والمطرقة، تلك الأدوات التي أصنع منها أعمالي».

أقدم والد ميكيلانجيلو، الذي كان قاضياً على بلدة كابريزي في ذلك الوقت، على إرسال ولده إلى المعلّم “فرانشيسكو دا أوربينو” في فلورنسا، حتى يتعلّم قواعد اللغة، لكن الفتى لم يُظهر ميلاً نحو العلم، بل كثيرًا ما كان يُفضل نسخ اللوحات في الكنائس، ويميل إلى صحبة الفنانين والرسامين. في النهاية وافق الأب على رغبة ولده وسمح لهذا الصبي ذو ثلاثة عشر ربيعاً بأن يعمل لدى رسام جص يدعىدومينيكو غرلاندايو، وعندما بلغ ميكيلانجيلو عامه الرابع عشر، كان والده قد أقنع دومنيكو بأن يُعلن تلميذه رسامًا. يُعرف أن ميكيلانجيلو لم يستطع التوافق مع معلمه وكثيرًا ما كان يصطدم معه مما حذا به لينهي عمله لديه بعد أقل من سنة. في عام 1489، طلب لورينزو دي ميديشي، حاكم فلورنسا بحكم الأمر الواقع، طلب من دومينيكو غرلاندايو أن يُرسل إليه أفضل طالبين في عهدته، فأرسل إليه الأخير كلاً من ميكيلانجيلو وفرانشيسكو غراناسي. خلال الفترة الممتدة من عام 1490 حتى عام 1492، التحق ميكيلانجيلو بالمدرسة الإنسانية التي أسستها أسرة ميديشي لتدريس الفلسفة الإفلاطونية المحدثة، حيث تعلّم النحت على يد “بيرتولدو دي جيوفاني”، وتأثرت نظرته إلى الحياة وأنماط فنّه بآراء ونظريات الكثير من الفلاسفة والكتّأب المعروفين في ذلك الزمن، مثل: مارسيليو فيسينو، بيكو ديلا ميراندولا، وأنجلو بوليزيانو. خلال هذه الفترة، أتمّ ميكيلانجيلو العمل على نقش “سيدة الأدراج” (1490–1492) ومعركة القناطرة (1491–1492)، وقد كانت الأخيرة مبنية على فكرة اقترحها أنجلو بوليزيانو، وكلّفه بها لورينزو دي ميديشي. أدّى إعجاب بيرتولدو دي جيوفاني بعمل تلميذه أشد الإعجاب، إلى تولّد شعور بالغيرة عند زميل ميكيلانجيلو المدعو “بيترو توريغيانو”، فضربه على أنفه ضربةً قوية شوهت شكله، ويظهر هذا التشوه بشكل واضح في كل الرسومات الشخصية لوجه ميكيلانجيلو.

على الرغم من إنكار ميكيلانجيلو لفضل غيرلاندايو في تعليمه أي شيء إلا أنه من الواضح أنه تعلم منه فن الرسم الجداري حيث أن رسومه الأولية كانت قد أظهرت طرق ومناهج اتبعها غيرلاندايو. في الفترة الممتدة بين عاميّ 1490 و1492 أمضى وقته في منزل لورينزو دي ميديشي المعروف بلورينزو العظيم الراعي الأهم للفنون في فلورنسا وحاكمها. حيث كان المنزل مكان دائم لاجتماع الفنانين الفلاسفة والشعراء. ومن المفترض أن ميكيلانجيلو قابل وتعلم من المعلم الكهل بيرتولدو الذي كان قد تدرب مع دوناتلو فنان القرن الخامس عشر في فلورنسا.
أخذ ميكيلانجيلو ينخرط في معتقدات مجموعات النخبة الثقافية التي كانت تجتمع في منزل لورينزو شيئا فشيئا ويتبناها، فتزايد اهتمامه بالأدب والشعر، كما اهتم بأفكار تدور حول “النيوبلاتونيسم”، وهو نظام فلسفي يجمع ما بين الأفكار الإفلاطونية والمسيحية واليهودية ويدور حول فلسفة تعتبر أن الجسد هو مخزن الروح التي تتوق العودة إلى بارئها، وكثيرا ما فسر النقاد أعمال ميكيلانجيلو على أساس هذه الأفكار وخصوصا أعماله التي تصور الإنسان وكأنه يسعى إلى أفق حر يخلصه من السجن أو الحاجز الذي يعيشه.
كانت أمنية لورينزو دي ميديشي هي إحياء الفن الإغريقي واليوناني وهذا ما جعله يجمع مجموعة رائعة من هذه التحف التي أصبحت مادة للدراسة لدى ميكيلانجيلو، ومن خلال هذه المنحوتات والرسوم، استطاع ميكيلانجيلو أن يحدد المعايير والمقاييس الحقيقية للفن الأصيل وبدأ يسعى ليتفوق على نفسه من خلال الحدود التي وضعها بنفسه، حتى أنه قام مرة بتقليد بعض الأعمال الكلاسيكية الرومانية بإتقان لدرجة أنه تم تداولها على أنها أصلية.
في مقتبل العمر

توفي لورينزو دي ميديشي بتاريخ 8 أبريل سنة 1492، فكان لوفاته أثر كبير على ظروف وحياة ميكيلانجيلو، فقد خسر دعم وحماية بلاط آل ميديشي، فاضطر إلى مغادرة فلورنسا والعودة إلى منزل والده. خلال الأشهر التالية لعودته، قام ميكيلانجيلو بنحت مجسم خشبي للمسيح المصلوب (1493)، وأرسله هدية إلى كنيسة “القديسة مريم حاملة الروح القدس”، حيث سمح له رجال الدين فيها بإجراء تشريح ودراسة بعض الجثامين الموجودة في المستشفى الخاص بها. خلال الفترة الممتدة بين عاميّ 1493 و 1494، أحضر ميكيلانجيلو قطعة ضخمة من الرخام رغبةً منه في نحت تمثال عظيم للبطل الإغريقي الأسطوري هرقل، وقد أرسل هذه المنحوتة في وقت لاحق إلى فرنسا، حيث اختفت في وقت ما خلال القرن الثامن عشر. بتاريخ 20 يناير سنة 1494، وبعد سقوط كميات هائلة من الثلوج، أصدر بييرو الثاني دي ميديشي أمرًا إلى ميكيلانجيلو بنحت تمثال كبير من الثلج، فكان من نتيجة هذا الأمر أن عاد الأخير إلى بلاط آل ميديشي.
لم تدم فرحة ميكيلانجيلو طويلاً، فقد أطيح بآل ميديشي في ذلك العام على يد جيرولامو سافونارولا بدعم من الفرنسيين، فغادر ميكيلانجيلو المدينة واتجه إلى البندقية، ثم انتقل إلى بولونيا، حيث عُهد إليه بإنهاء نحت التماثيل الصغيرة الموضوعة على تابوت القديس دومينيك، الذي كُرّست له الكنيسة. كانت الأوضاع في فلورنسا قد استقرت وهدأت بحلول أواخر عام 1494، فقد تعرّضت جيوش الملك الفرنسي شارل الثامن لخسائر فادحة نتيجة مقاومة الشعب الشرسة، فأمر بسحبها. بناءً على هذا، عاد ميكيلانجيلو إلى فلورنسا على الرغم من أنه لم ينل حظوة سافونارولا، الحاكم الجديد، فعرض خدماته على من بقي من آل ميديشي. عمل ميكيلانجيلو خلال نصف عام أمضاه في فلورنسا، على نحت تمثلان صغيران: الصبي القديس يوحنا المعمدان، وكيوبيد الراقد. يُزعم أن لورنزو دي ميديشي، الذي أمر ميكيلانجيلو بنحت تمثال يوحنا المعمدان، طلب منه أن يجعله يبدو وكأنه كان مدفونًا، أي مرّ عليه حين طويل من الدهر، وذلك كي يرسله إلى روما بصفته منحوتة قديمة، ويبيعه بسعر عال. في جميع الأحوال، اكتشف الكاردينال رافائيل رياريو، الذي اشترى المنحوتة من لورنزو أنها حديثة العهد، لكنه أعجب بنوعيتها ودقتها، حتى دعا ميكيلانجيلو إلى الذهاب لروما. استجاب ميكيلانجيلو لهذا الطلب، وغادر فلورنسا إلى روما، ويُعتقد أن نجاحه في بيع عمله خارج بلاده، بالإضافة للفتور الحاصل تجاهه في فلورنسا، هو ما دفعه للرحيل.
الذهاب لروما
وصل ميكيلانجيلو إلى روما بتاريخ 25 يونيو سنة 1496، وقد بلغ من العمر 21 عامًا. و في 4 يوليو من نفس العام، بدأ العمل على منحوتة جديدة كلّفه بها الكاردينال رافائيل رياريو، ألا وهي منحوتة ضخمة لإله الخمر الروماني باخوس. غير أنه بعد الانتهاء منها، رفضها الكاردينال، فاشتراها أحد المصرفيين، واسمه يعقوب غالّي، ليضافها إلى تماثيله المعروضة في حديقته الخاصة.
في شهر نوفمبر من عام 1497، طلب السفير الفرنسي لدى الكرسي الرسولي، طلب من ميكيلانجيلو الشروع في نحت تمثال أصبح فيما بعد أشهر أعماله، ألا وهو تمثال بيتتا، وأبرم معه عقدًا بذلك في شهر أغسطس من العام اللاحق. عاش ميكيلانجيلو في روما على مقربة من كنيسة “سيدة لوريتو”، وتفيد بعض القصص أنه أغرم بفيتوريا كولونا خلال هذه الفترة، والأخيرة كانت مركيزة بسكارا المعروفة بحبها للشعر. يعتقد البعض أنه خلال هذه الفترة أيضًا شرع ميكيلانجيلو في العمل على منحوتة لاوكون وأبناؤه، الموضوعة اليوم في متاحف الفاتيكان.
العودة إلى فلورنسا وتمثال داوود
عاد ميكيلانجيلو إلى فلورنسا بين عاميّ 1499 و1501، وكانت الأوضاع تتغير في تلك الجمهورية بعد سقوط الكاهن رئيس فلورنسا، والمناهض للنهضة جيرولامو سافونارولا (أعدم عام 1498)، وبزوغ نجم الحاكم الجديد بيير سوديريني. وفي تلك الفترة طلب قناصل نقابة عمّال الصوف من ميكيلانجيلو أن يقوم بإنهاء مشروع غير تام أبتدء في تنفيذه النحات المشهور أغسطينو دي دوكسيو من أربعين سنة، وهو عبارة عن تمثال ضخم يُمثل النبي داوود كتعبير عن حرية فلورنسا، وكان من المخطط وضعه في الساحة بالقرب من القصر العتيق. فاستجاب ميكيلانجيلو لهذا الطلب وأنهى التمثال الذي أصبح يعتبر أشهر أعماله عام 1504. تمّ نحت التمثال من قطعة رخام كبيرة مستخرجة من مقالع كرارا، و على الرغم من أنه كان قد تمّ العمل عليه قبل ذلك إلا أنه أكسب ميكيلانجيلو شهرته وصيته كنحات ذو مهارة حرفية عالية ومخيلة واسعة قادرة على تصوير الرمزية بأبهى الحلل.
خلال هذه الفترة أيضًا، قام ميكيلانجيلو برسم لوحة العائلة المقدسة والقديس يوحنا، المعروفة أيضًا باسم Doni Tondo، أو عائلة المنبر المقدسة، و ذلك بمناسبة زواج أنجيلو دوني ومادالينا ستروزي، وقد وُضعت هذه اللوحة خلال القرن السابع عشر في قاعة “المنبر” في متحف الأوفيزي، كذلك رسم لوحة السيدة والطفل مع القديس يوحنا والملائكة، الموضوعة اليوم في المتحف الوطني بلندن، حيث تُعرف “بسيدة مانشستر”
روما مجددًا وسقف كنيسة سيستاين
في عام 1505 دعا البابا يوليوس الثاني ميكيلانجيلو ليعود إلى روما حيث حصل على إجازة لبناء ضريح البابا. إضطر ميكيلانجيلو، تحت رعاية البابا أن يتوقف عن العمل في الضريح عدد من المرات ليقوم بتنفيذ مهام أخرى من المهام العديدة التي كانت موكلة إليه، وبسبب هذه المقاطعات، فإن العمل على القبر لم ينته إلا بعد مرور 40 سنة، و حتى عند ذلك فإن ميكيلانجليو لم يعتبر أنه أنجز العمل كما كان يجب. وتجدر الإشارة إلى أن جثمان يوليوس الثاني لم يوضع بداخل الضريح كما كان مقررًا، حيث أنه توفي عام 1513 بينما انتهى العملبالقبر عام 1545. من أبرز سمات هذا العمل الفني، وجود منحوتة للنبي موسى في وسطه، وكل من راحيل وليا على جانبيه. يقع هذا القبر اليوم في كنيسة القديس بطرس المكبّل.
حصل ميكيلانجلو، خلال نفس الفترة التي كان يقوم أثنائها بالعمل على ضريح البابا يوليوس الثاني، على إجازة تخوله طلاء وزخرفة سقف كنيسة سيستان، وقد أنجز هذا العمل خلال 4 سنوات تقريبًا (1508–1512). وفقًا لما تفيد به قصة ميكيلانجلو، فإن دوناتو برامنتي ورفائيل سانزيو هما من أقنع البابا باستخدام ميكيلانجيلو في حقل إبدعي ليس مألوفًا له، وكان الهدف من وارء ذلك إحراجه وإظهار فشله في هذه النقطة أمام البابا، وذلك حتى يستمر رافائيل، منافس ميكيلانجيلو الأول، أبرز رسّامي عصره، وأول من له حظوة بينهم عند ذوي الشأن. كان من المفترض لميكيلانجيلو أن يقوم برسم تلاميذ المسيح الإثني عشر على خلفيّة سماء برّاقة، لكنه رغب بالقيام بأمر أكثر تعقيدًا، وهو رسم خلق الإنسان، هبوطه منالجنة، والخلاص الموعود عن طريق الأنبياء وأنساب المسيح. ضمّت اللوحة النهائية ما يزيد عن 300 رسم، وكانت حلقاتها التسعة المركزية مستوحاة من سفر التكوين، وتم تقسيمها إلى 3 أقسام: خلق الله للأرض؛ خلق الله لآدم وهبوطه وحواء من الجنة، وأخير حالة البشر كما يمثلها النبي نوح وعائلته.
خلال عهد باباوات آل ميديشي في فلورنسا
توفي البابا يوليوس الثاني في عام 1513، وخلفه ليو العاشر، وهو من آل ميديشي الذين تربطهم علاقة وثيقة وقديمة بميكيلانجيلو، فطلب منه أن يشرع في ترميم واجهة كنيسة القديس لورينزو في فلورنسا، وأن يزينها بالمنحوتات. وافق ميكيلانجيلو على هذا المشروع على مضض، وأمضى السنوات الثلاثة اللاحقة وهو يرسم المخطوطات ويضع التصاميم للواجهة الجديدة، كما حاول أن يفتح مقلعًا رخاميًا جديدًا في بيتراسانتا ليستخرج منه الحجارة اللازمة لهذا المشروع خصيصًا. تُعد هذه الفترة في حياة ميكيلانجيلو الأكثر إحباطًا بالنسبة له، إذ تمّ إيقاف المشروع فجأة من قبل رعاته الذين كانوا يعانون من ضائقة ماليّة، قبل أن يُنفذ أي جزء منه، وما زالت الكنيسة تفتقد لواجهة حتى اليوم.
عاد آل ميديشي إلى ميكيلانجيلو يطلبون منه تنفيذ مشروع آخر ضخم، حتى بعد أن فشل في تنفيذ المشروع الأول سالف الذكر، وفي هذه المرة عُهد إليه بإنشاء مُصلّى جنائزي عائلي في كنيسة القديس لورينزو. انشغل ميكيلانجيلو بالعمل على تصميم المصلّى وتشييده في معظم عقد العشرينيات والثلاثينيات من القرن السادس عشر، وفي نهاية المطاف نجح في إنهاء القسم الأكبر منه.
في عام 1527، قام كارلوس الخامس، إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة، بمهاجمة روما واحتلالها في إطار حربه مع عصبة كونياك، فتشجع أهالي فلورنسا وأطاحوا بآل ميديشي، وأعادوا المدينة إلى النظام الجمهوري الذي كانت عليه قديمًا. حوصرت فلورنسا بعد هذا طيلة ثلاث سنوات، وقد ساهم ميكيلانجيلو في تحصين المدينة وتدعيمها طيلة فترة الحصار، لكنها سقطت في سنة 1530، وأُُعيد آل ميديشي إلى سدّة العرش. وفي هذه المرحلة كان ميكيلانجيلو قد فقد أي تعاطف مع تلك الأسرة الحاكمة، وأصبح يعتبرهم حكّام طغاة قامعين للشعب، فآثر مغادرة فلورنسا إلى الأبد في أواسط عقد الثلاثينيات من القرن السادس عشر، وترك مساعديه ليكملوا تشييد المُصلّى الجنائزي.